تسييس التحرش
نحن في فترة "عراك مجتمعي "وكان من المفترض لها ان تصبح فترة
"حراك مجتمعي" ولكنها تحولت بقدرة قادر الى صراع على إثبات الرأي تحول
الى تعصب للرأي ، وصراع على اثبات خطأ رأي
الآخر ،و صراع على السلطة ،تحول الى تمزيق روابط المجتمع ، وفي خضم هذه المعارك
فقدنا أشياءً كثيرة، قد يحار المرء في وصف هذه الأشياء المفقودة ، او ان من الاولى
اننا فقدنا مالم نملك في الاصل، اى ان هذا التفكك المجتمعي اظهر أسوأ مافينا، وجعل
جميع عيوبنا تطفوا على السطح ، ومن المظاهر التي اكتسحت الساحة مؤخرًا هي التحرش،
والأسوأ من التحرش وبشاعتها المتطورة من حادثة لاخرى ، هو رد فعل المجتمع
على حوادث التحرش، مثلا كانت هذه الحادثة
ذات وقع مميز مستفز على المستوى الانساني، إذ أن البعض من مؤيدي التيارات السيايسة
الدينية قد شمتوا وتشفوا في الفتاة التي انتهك عرضها في الشوارع وكأن هذه الفتاة
من كوكب آخر ، فالنغمة السائدة الآن ان كل من لم يدعم الرئيس مرسي سيذهب الى النار
حدفّا، وكأن هذا الفصيل السياسي يملك مفاتيح الجنة والنار سيعطيها لمن يتبعه ويحرم
منها من يخالفه، والتحرش اثناء الاحتفال بنجاح مرشح ما كان خطيئة في الاصل، وكانت يد
العدالة رادعة في معاقبة المخطئين"
فيستهلوا من الآخر " " والحمد لله اننا مش من شعب المتحرشين " كما
قال احد الشامتين ، وكأن الانقلابيين الاوغاد فقط هم من يتحرشون ولكأنها المرة
الاولى التي تحدث فيها حادثة من هذا النوع فربطوا في الاذهان التحرش بالتحرير
بالموقف المعادي لهم،
هذه النظرة المتعالية المليئة بالكره والتعصب ، هي التي جعلتنا كلنا ننفر
من هذا الفصيل، الذي في عهده – بالمناسبة – تم التحرش بفتاة محمد محمود وقال عنها
الشيوخ الاجلاء انها "كانت لابسة الجلبية على اللحم" وقيلت الجملة
الشهيرة"ايه اللى وداها هناك؟" عادي يعنى ايه اللى وداها هناك فعلا؟ ايه
اللى ودانا كلنا هنا اساسا؟ (فلا تعيرنى ولا اعيرك التحرش طايلني وطايلك)
فلنخرج من هذه المناورات السياسية ونكف عن تسيس الظواهر الاجتماعية ولنبتعد
عن الشماتة لانها بنت مصرية قد تكون اختك او بنتك يا اخي الشامت، لان التحرش ليس
حادثة اليوم او الامس بل له تاريخ طويل وخاصة في الاحتفالات وايضا الاعياد
الاسلامية "والتي تحدث في مصر ايضا – وليس في كوكب آخر" اى ان:
1. اى
تجمع تكثر في هذه الحوادث سواء مظاهرات او اعياد وذلك لان زيادة العدد توهم
المرتكبين بسهولة الهرب من العقاب " اللى هو مش موجود اصلا لعدم وجود قانون رادع
لمنع التحرش "
2. بالاضافة الى ان الفراغ الامني الذي اعقب
التوترات الامنية قام ايضا بزيادة انتشار هذه الظاهرة فالشرطة غايبة ولحد دلوقتى
مكتوبة في دفتر الغياب.
3. ومن
اسوأ ردود الفعل على هذه الحادثة ايضا تعليق المذيعة التي كانت تعلق على الاحتفال
بالتنصيب قائلة:"بعض حالات التحرش" (عادي يعني دول بيتحرشوا وماشيين)
"اصلهم مبسوطين بقى " من كثرة تطبيل الاعلام للرؤساء فإن جميع الظواهر
الخاطئة في عهد الرئيس مرسي نظهرها ونتبجح ونولول من اجلها ونريد لها حلا فوريًا ،ونفس
المشكلات عندما تحدث في عصر الرئيس السيسي سنقبلها ونغض طرفنا عنها لانها حدثت في
عهده، فننسى هنا النقد البناء اللازم لتقويم الحاكم فإذا حدث خطأ في عهده نسكت
عنه،
4. وبذلك
ينقسم المجتمع الى قسمين قسم"سوداوي" قلبه اسود وفكره اسود ولا يتمنى
الخير للمجتمع الآخر ويدعي عليه ويتمنى له الجحيم ويتشفى لمصائبه، وشعب آخر"
نحنوح" فقطعنى حتت وارمين للقطط وانا لن اتكلم وسأفرح للتقطيع عادي يعني
خليهم ينبسطوا.
بل يجب علينا في هذه الحالات ان نفصل بين مشاكل المجتمع و عهد الحاكم، لانها
مشاكل مستمرة وغير مرتبطة بحاكم معين فهي موجودة في عهد هذا الحاكم او ذاك،
فالتحرش موجود من عهد مرسي وقبله
وليس في العهد الحالي فقط، وقطع النور مشكلة نعانى منها حتى الىن ايضا وليس كارثة في عهد مرسي فقط، فنرجوا بالمناقشة
بنظرة محايدة موضوعية في الشأن المجتمعي.
فدعونا نترك السياسة ونتحدث عن التحرش كمشكلة مجتمعية ، فما هي الحلول، يجب
اولا ان نتفق ان ملابس الفتيات ليست هي التي تدعو للتحرش كما قالت العضوة الفاضلة
بمجلس الشعب السابق أثناء مناقشة مشروع
قانون التحرش، فكم من منقبة تعرضت للتحرش وكم من سيدة ترتدي الجلباب تم التحرش بها
، ان لم تصدق هذا الرأي فلتنظر الى الغرب،
لا يوجد تحرش بالنسب التي نتعرض لها وذلك مع تحررهم في المعاملات وفي الملابس،
فلماذا لا توجد هذه الظاهرة هناك، ذلك لوجود قانون رادع صارم بالسجن والغرامة ، اى انه لو كانت هناك فتاة
ليل تنتظر على قارعة الطريق وتحرش بها اى مواطن بالقول او الفعل قد يتعرض للسجن ،
فتخيل سيدي فتاة الليل ماذا ترتدي، فلترتدي ما تردتي هذه ليست القضية بل ان اكثر
المتعرضات في بلادنا للتحرش من المحجبات، كما ان افغانستان وهي البلد الاولى على
العالم في التحرش ، ترتدي فيه السيدات النقاب ويطيل فيها الرجال الدقون، فليس
التدين من عدمه او اخلاق شعب من عدمه هو
سبب هذا التدهور الامني، فمصائر الامم لا يجوز ان تترك لضمائر الشعوب، فمنظومة
القانون والأمن هو الحل.
هناك أيضا مشكلات مجتمعية مرتبطة بهذه المشكلة وهي تأخر سن الزواج بسبب
الحالة الاقتصادية للشباب بسبب البطالة، فنرجو بنظرة سريعة الى المستقبل فقد سئمنا
من تكرار عرض قضايا استخدام الطاقة العمالية المهدرة في مشاريع تنهض بالوطن، ولكن
لا من مجيب، كما ان اهل الفتيات يتعسفون
في طلبات الزواج فيريد الاب من الشاب ان يجهز لابنته مستوى لم تعيش فيه زوجته
نفسها الا بعد 25 عاما تقريبا،
وفي النهاية فإننا يجب أن نحترم
بعضنا ونهدأ قليًا ولا نشمت في بعضنا فنحن
شعبا واحد ولسنا شعبين والله ، وكأن المشاكل التي يتعرض لها مجتمعنا في كوكب الارض
الكافر الانقلابي لن تمس كوكب المريخ في شئ .
فعزيزي الفرحان عزيزي الشامت هل جربت يوما ان تكون امرأة؟ يتعرض لك شخص
غريب ويتعدى عليك باللفظ او الفعل لمجرد انك امرأة؟ واذا صرخت في الشارع واجتمع
الناس انفضوا من حولك عندما يعرفون سبب صراخك؟ومنعوك من الذهاب الى الشرطة للقصاص
من المتحرش( عشان حرام هتضيع مستقبل الواد، على الفاضي، وهو عمل ايه يعني ؟
فتضطر في المرة التالية التي تتعرض
فيها للتحرش ان تكذب وتتهم من تحرش بالسرقة المادية حتى يتحمس لك الناس ويأخذوا
المتحرش من قفاه على القسم؟ هل ستتغير نظرة المجتمع للمرأة ويقتنع الناس ان التحرش
ليس مشكلتها هي بل مشكلة الرجل؟ هل ستنتهي عقدة تفاحة آدم عند الشرقيين في ان
المرأة هي سبب كل البلاوي؟ هل سيكف السياسيون ومؤيديهم عن تسيس التحرش واستخدامه
كآداة لتشويه المواقف السياسية المعارضة والاعتماد عليه كوسيلة ضغط سياسي؟ ومتى
تنتهى تصفية الحسابات السياسية عن طريق التحرش؟متى سيصدر قانون رادع لمنع التحرش؟
ومتى سيعود الآمان المجتمعي في الشارع المصري؟ هل هذه رسالة بضرورة عودة المرأة عن
دورها السياسي؟ ولكن المرأة قد أخذت حقها في خروجها للشارع السياسي منذ 1919 ولن
تتنازل عنه في يوم من الايام، وستظل المرأة مشاركة قوية في المواقف السياسية
المختلفة مهما كانت الضغوط.
فمتى؟ وكيف؟ وهل ؟ تسائلوا معي،،،
فكلها أسئلة، مجرد أسئلة ، ولا توجد لها إجابة ؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق