معنى الهزيمة
تحتل الروايات ذات الخلفية التاريخية معزة خاصة في قلبي فهي موجودة على رف
خاص في مكتبتى – مكتبة بابا وماما يعنى وانا استوليت عليها - ذلك لان الكاتب يبذل مجهودًا كبيرًا للانتقال
بالقارئ الى فترة تاريخية لم يعاصرها احد من الاثنين لا الكاتب ولا القارئ، فيكون
على الكاتب التخلي من قاموسه الخاص المستخدم في الروايات العادية والتخلى عن
المفردات المتداولة في العصر الذي يعيش فيها ويستبدلها بكلمات اخرى في عصر اخر، ثم
يقرأ كمًا كبيرًا من الكتب ليست التاريخية فقط، بل والاجتماعية والفنية- ليعرف
اسماء الفنانين المشهورين آنذاك والاغاني المغناة مثلا – بالاضافة الى السير
الذاتية للشخصيات العامة المشهورة في مصر والعالم في هذه الحقبة التي يكتب فيها
الكاتب روايته ، وانا اقدِّر من الكاتب هذا المجهود الشاق واراقب بتأمل كلماته
المستخدمة .
وهذا ما فعله وأكثر احمد مراد في روايته 1919
فهو انتقل بنا بآلة الزمن الى حقبة هذه الثورة العظيمة مصورا جميع احداثها
وتفاصيليها بحِرَفية عالية ومجهود مشكور عليه،
واعتقد ان ما اراد احمد مراد ان يوصله من خلال
الرواية هو فكرتين:
1. الاولى
هي ان "ياما في التاريخ مظاليم" ، لان هناك شخصيات كثيرة على مر التاريخ
قد ضحوا بأرواحهم فداءًا للوطن، ولم يذكرهم التاريخ في اى صفحة من صفحاته ،
فالرواية دعوة لاعادة النظر في كتابة التاريخ والتخلى عن طريقة كتابة تاريخ الملوك
والالتفات الى الشخصيات التاريخية المهضوم حقها ، واتمنى في يوم من الايام ان يقوم
مؤرخ برصد جميع الشخصيات المهمشة تاريخيا والتى كان لها تأثير كبير في كتاب واحد ،
وتسميته "شخصيات منسية من التاريخ " مثلا، وذلك شكرًا وعرفانًا لهم .
2.
الفكرة الثانية: هي فكرة
الهزيمة، هل الهزائم السياسية هي عدم تحقيق هدف بعينه ام ان بعض الهزائم قد تكون
انتصارات في اوقات لاحقة، فبالرغم من ان ثورة 19 لم تنجح في جلاء الانجليز عن مصر
الا انه لا يمكن انكار انها كانت مسمارا في نعش الاحتلال، بل كانت مسامير كبيرة
العدد،بالاضافة الى انها كانت انهاكًا كبيرا لقوته وكانت مقدمة لانتصارات لا حقة
وايقاظًا للوعي المصري الوطنى في الداخل، وتفعيلا للرأي العام العالمي في الخارج،
وكما ان عرابي بحركته هو سبب دخول الانجليز الى مصر الا اننا لا يمكن ان ننكر
وطنيته وغفر التاريخ له عدم الخبرة العسكرية التى ادت الى توغل النفوذ الاجنبى الى
مصر، ولا ينكر التاريخ ابدا ادوارهم في ايقاظ الوعي العام نحو قضية الكيان المصري انذاك ، وهذه
يجعلنا نعيد النظر الى مفهوم الهزيمة التاريخية، فقد تكون بعض الهزائم الحالية انتصارات . وتظهر
هذه الفكرة عندما انتقد سعد زغلول موقف عرابي عندما قال الأول:" اما كان افضل
لنا يحكمنا رجل رخو فاسد من ان نصبح محتلين من بلد اخر كنت اظننى اعرف
الاجابة الصحيحة لكنى لم اعد متأكدًا"
ولكنه رد بنفسه على هذه الفكرة امام الانجليز عندما قال:" انى افضل ان
اكون خادا في بلادي المستقلة على ان اكون سلطانا مستعبدا في بلادي المحتلة."
وعندما قال الهويني لعبد القادر :" لما تفشل بتفشل عشان فرطت في حقك
تغير من نفسنا والر د هيبقى على الظالم في الاخر"
اتمنى من الروائيين ان يكتبوا روايات تاريخية مشوقة، لا ن المكتبة العربية بالفعل
تحتوي على كمية ضئيلة الحجم جدا من هذه
النوعية من الروايات بالنسبة للتاريخ
العريق لمصر، لأن الروايات اسهل في نقل
المعلومات التارخية وخاصة للشباب افضل من الكتب الجافة التي تسرد الاحداث التاريخة،
وللثانوية العامة الفضل البالغ ولله الحمد ان يكره الجميع التاريخ بكتبه و بكل من
فيه ، ولكن قد يخاف الكتَّاب من عدم تحقيق هذه الروايات للارادات المطلوبة وإن حققتها
سيصعب تحويلها الى افلام او مسلسلات ولكن فلتكن هذه النوعية من الروايات صدقة
يتصدق بها الكاتب عن صحته - وهنيالك يا فاعل الخير- ونحن الآن في امس الحاجة الى قراءة التاريخ
لنستطيع تحليل الحاضر واستقراء المستقبل، وذلك افضل من ان نستقرئه من تكهنات البرامج
التلفزيونية .
ومن اجمل ما جرى على ألسنة أبطال الرواية من جمل هي :
l
" الحياة قصيرة "
l
فمستقبل الانسان ما هو الا سقف
احلامه
l
ان الاسماء بعضها خُلق ليطمس
ويغيب في طي النسيان وبعضها خلق ليخلد ويذكر واخرى خلق ليلحقها العار
l
لا شئ اسوأ من انتفاضة حرية
تصبح بداية عبودية لا تنتهي
l
بعض الناس يشبهون الاسود وبعضهم
يشبهون الكلاب، وهناك الضباع فئة غريبة ترهبها الاسود وتفزعها الكلاب، فئة لا تكسب
احترام اى حيوان في الغابة كبيرا كان ام صغيرا
l
ان الثمن الذي ندفعه من دمائنا
هو الذي سيحقق لنا الحرية في النهاية
ومن أجما المشاهد التى تفند تصرفات العدو تجاه الابطال على لسان الهويني
قائلا لعبد القادر:" انت عارف ليه حكموا علينا مؤبد مش اعدام؟
عشان اللى بيتعدم بيعيش بيبقى شهيدام اللى بيتسجن بيموت
المشكلة مش فيا الحتلال المشكلة في النوس اللى بيفسدها الاحتلال "
l
ومن اجمل الكلمات التى ابكتنى
انا شخصيا عندما تم القبض على سعد زغلول وامسك يد صفية وقال لها
:"متخافيش"
كم منا يحتاج الى من يربط على
كتفه الآن قائلا:"متخافوش"
ملحوظة: من أجمل ما قرأت من الروايات ذات الخلفية التاريخية: امام العرش:
نجيب محفوظ، ايزيس- توفيق الحكيم ، اخناتون : اجاثا كريستي، انا الملك جئت: بهاء
طاهر، واحة الغروب: بهاء طاهر ، سنوحي المصري: ميكاو التاري ، فهل عندك اسماء
روايات اخرى ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق